ملخص قصة سيدنا يونس |
رائعة هي قصص الأنبياء إذ تحتوي على الكثير من المعجزات التي يقف أمامها العقل البشري متدبراً عظمة الخالق وقدرته، ومنها قصة سيدنا يونس عليه السلام.
قصة سيدنا يونس عليه السلام
لُقب نبي الله يونس عليه السلام بذي النون، ويعود نسله إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وحسب ما جاء في موقع "إسلام ويب" (المتخصص في قصص الأنبياء) فإن يونس إما من نسل لاوي أو بينامين (كلاهما أبناء يعقوب عليهما السلام) واسمه يونس بن متى، وقيل إن متى هو أبوه استناداً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري.
حيث روى عبد الله بن عباس: "عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فِيما يَرْوِيهِ عن رَبِّهِ، قالَ: لا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أنْ يَقُولَ: إنَّه خَيْرٌ مِن يُونُسَ بنِ مَتَّى ونَسَبَهُ إلى أبِيهِ"، وأيّده الفقيه أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب المنتظم حيث قال: "ومتى أبوه وهو من ولد بنيامين بن يعقوب"، بينما قال الفقيه ابن الأثير في كتاب الكامل: "لم ينسب أحد من الأنبياء إلى أمه إلا عيسى ابن مريم ويونس بن متى، وهي أمه".
وتوجد سورة بالقرآن الكريم تشتمل على قصه يونس عليه السلام كامله وتحمل اسمه، وولد يونس في بلاد الشام حسب ما ذُكر في كتاب مختصر تاريخ دمشق، ثم ذهب إلى شاطئ نهر دجلة بالعراق فبعثه الله وهو في عمر الأربعين إلى أهل نينوي بالموصل وقيل وُلد بها، بعدما عبدوا الأصنام وأكثروا من ارتكاب المعاصي، وكان ذلك في القرن الثامن قبل الميلاد.
حيث أقام يونس بنينوي ثلاث وثلاثين عاماً يدعو قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهيهم عن عبادة الأصنام لكنهم ظلوا على كفرهم وأصروا على السير في طريق الضلال، فغضب منهم يونس وأنذرهم بعذاب شديد من الله سيصيبهم خلال ثلاثة أيام جزاء لإصرارهم على الكفر، لكنهم لم يستمعوا إليه، وعندما أتى اليوم الثالث رحل يونس عن قومه غاضباً منهم قبل أن يأمره الله عز وجل بذلك.
حينها بدأ العذاب في أن يظهر فوق رؤوس قوم يونس وذكر "ابن عباس" إن ذلك العذاب كان عبارة عن سحابة حمراء تقترب منهم حتى جعلتهم في ظلمة وشعروا بحرارتها بين أكتافهم كما جاء في "تفسير القرطبي"، فألهمهم الله التوبة والعودة إلى طريق الصواب، فتابوا إلى الله عز وجل وتوجهوا إليه بالدعاء والاستغفار باكين منيبين إليه، فتاب عليهم وعفا عنهم ورفع عذابه وغضبه فتمنى قوم يونس لو يعود إليهم نبيهم ويعيش بينهم مرة أخرى.
قال تعالى في سورة يونس الآية الثامنة والتسعين: "فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ".
قصة يونس في بطن الحوت مختصره
بعدما وصلت أخبار قوم يونس إلى نبي الله وعلم أنه تاب عليهم استحى أن يعود إليهم مرة أخرى، فقصد البحر (قيل إنه البحر الأخضر هو أحد أسماء الخليج العربي) وركب سفينة، فكانت مشيئة الله عز وجل أن تهب رياح عاتية فيثور البحر، فما كان من ركابها إلا أن اقترحوا تخفيف أحمال السفينة كي لا تغرق، فألقوا بكافة الأمتعة، لكن السفينة لم تزل غير مستقرة.
فما كان منهم إلا أن اقترعوا ليلقوا من وقعت عليه القرعة في البحر، فوقعت القرعة على يونس، لكن تردد أهل السفينة في إلقائه لما رآوه من مكارم أخلاقه، فكرروا الاقتراع، فوقعت عليه مجدداً فأعادوا الكرة للمرة الثالثة، فإذا بالاقتراع يقع أيضاً على يونس عليه السلام.
فما كان من يونس إلا أن ألقى بنفسه في البحر، بعدما تيقن أن ذلك هو تدبير الله عز وجل لأنه أخطأ بترك قومه دون أن يأذن له ربه، وأوحى الله إلى حوت قيل في "كتاب موجز دائرة المعارف الإسلامية" إنه أتى من الهند فابتلع نبي الله يونس دون أن يقطع له لحماً أو يُهشم له عظماً امتثالاً لأمر الله عز وجل، وظن يونس حينها أنه مات، فحرك أطرافه، فلما تحركت تبين له أنه حي، فسجد لله وقال:
"يا رب، اتخذت لك مسجداً لم يعبدك أحد في مثله"، وظل يُسبح ربه ويستغفره، قال تعالى في سورة الأنبياء الآية السابعة والثمانين: "وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ".
وطاف الحوت بيونس البحار كلها، وقيل إن ذلك الحوت ابتلعه حوت آخر، واختلف أهل العلم في تفسير الظلمات التي كان بها يونس، ولكن أفضى عدد منهم حسب ما جاء في "تفسير الطبري" إلى أنه يُقصد بها ظلمة الليل، وظلمة الحوت وظلمة البحر، كما اختلفوا في مقدار لبث يونس في بطن الحوت، فمنهم من أفضى إلى أنه ظل ببطنه من ضحى يوم إلى عشيته، وقيل ثلاثة أيام، وقيل سبعة وقيل أربعين يوماً، وكان يونس أثناء هذه الفترة الموحشة يسمع تسبيح كافة المخلوقات لرب العالمين.
ثم أوحى الله إلى الحوت أن يلقي بنبيه يونس على ساحل البحر في صحراء جرداء، روي أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لما أراد اللهُ حبسَ يونسَ في بطنِ الحوتِ أوحى اللهُ إلى الحوتِ أن خذ ولا تخدِشْ لحماً ولا تكسِرْ عظماً فلما انتهى بهِ إلى أسفلِ البحرِ سمع يونسَ حِسّاً فقال في نفسِه ما هذا فأوحى اللهُ إليهِ وهو في بطنِ الحوتِ إنَّ هذا تسبيحُ دوابِّ البحرِ قال فسبَّحَ وهو في بطنِ الحوتِ فسمعتْ الملائكةُ تسبيحَه فقالوا يا ربنا إنا نسمعُ صوتاً بأرضٍ غريبةٍ قال ذلك عبدي يونسَ عصاني فحبستُه في بطنِ الحوتِ في البحرِ قالوا العبدُ الصالحُ الذي كان يصعدُ إليك منهُ في كل يومٍ وليلةٍ عملٌ صالحٌ قال نعم قال فشفعوا لهُ عند ذلك فأمر الحوتَ فقذفَه في الساحلِ كما قال اللهُ وَهُوَ سَقِيمٌ".
وعندما خرج يونس من بطن الحوت كان مريضاً هزيلاً عرضة للإصابة بالأذى وحسب ما جاء في كتاب "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ط النجف" للكاتب (مجير الدين العليمي) فإن يونس فقد بصره، فأنبت الله له شجرة من اليقطين (القرع) لها أربعة آلاف غصن لأن ثمارها تؤكل نيئة وأوراقها كبيرة وناعمة، يمكن ليونس أن يستظل بها فتحميه من أشعة الشمس فكانت له فراش وغطاء كما أن هذا النوع من الأشجار لا يقربه الذباب.
كما سخر الله له أروية (أنثى وعل) بحسب ما جاء في موقع "دار الفتوى" (المتخصص في قصص الأنبياء) فكانت تأتيه مرتين كل يوم في الصباح والمساء، فيتناول من لبنها حتى عادت إليه صحته، وهبط جبريل عليه السلام على يونس فألقى عليه السلام ووضع يده على رأس نبي الله ومررها على جسده، فعاد إليه بصره ونبتت لحيته.
وذُكر في "كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن" أن نبي الله يونس قد أتى إليه ملك فأعطاه حلتين (ردائين) فارتدى إحداهما وترك الأخرى وتقابل مع زوجته وولديه (لم يستدل عليهم إذ لم يرد ذكر أي منهم في الكتاب أو السنة) ووصل خبر قدومه إلى قومه ففرحوا كثيراً وقفز الملك عن سريره، واستقبلوا يونس وقاموا بحمله، ولكن اختلف أهل العلم والمؤرخين في هذه القصة.
قال تعالى في سورة الصافات الآيتين رقم 147، و148: "وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ"، وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية، إذ أفضى بعض منهم إلى أن يونس قد عاد إلى قومه الذين تركهم فآمنوا جمعيهم وظل يرشدهم بقية حياته إلى الخير والصواب، بينما أشار آخرين إلى أنه أرسل إلى قوم آخر، وأما عن عددهم فإنه يفوق مائة ألف، قيل بعشرة آلاف، قيل بعشرين، قيل بثلاثين، قيل ببضع وثلاثين، قيل ببضع وأربعين وقيل بسبعين ألف وقيل غير ذلك.
وفاة يونس عليه السلام
لم يُستدل على عمر يونس عليه السلام عند وفاته، ولكنه توفي بعد وفاة نبي الله موسى عليه السلام بثمانمائة وخمسة عشر سنة، وقيل دفن قبل مدينة صيدا على ساحل البحر الذي ألقاه فيه الحوت.
تمت الكتابة بواسطة: مروة جمال أحمد.