قصة الجاسوس ايلي كوهين وهل كان بطلاً أم خائناً

الجاسوس ايلي كوهين
الجاسوس ايلي كوهين

عندما تتطلب منك الأقدار انتحال شخصية مختلفة باسم وديانة تكرهها، لمصلحة الموساد، وكل ما تجنيه هو الإعدام، هنا نتحدث عن الجاسوس ايلي كوهين.

من هو الجاسوس ايلي كوهين؟

هو إلياهو شاؤول كوهين، اليهودي الذي ولد عام 1924م في مدينة الإسكندرية المصرية، ونشأ وترعرع في حي اليهود هناك، انضم إلى صفوف (منظمة الشباب اليهودي)، وعمل على دعوة اليهود المقيمين في مصر إلى الهجرة إلى فلسطين (إسرائيل)، في إطار تحقيق مراده ومراد اليهود بشكل عام في اكتمال مشروع الحلم الصهيوني الذي يسكن خيالاتهم، وقد تم تجنيده لخدمة الموساد الإسرائيلي في الأراضي السورية، مُنتحلاً اسم (كامل أمين ثابت)، وانتهت قصته بالإعدام شنقاً في العاصمة دمشق، إليك تفاصيل قصة الجاسوس الذي كاد أن يُصبح رئيساً لوزراء سوريا.

نشأة ودراسة إيلي كوهين

نشأ إيلي كوهين في حي اليهود في الإسكندرية، حيث استقرت عائلته المهاجرة من مدينة حلب في سوريا، ارتاد ايلي كوهين المدارس الدينية اليهودية في مراحل تعليمه الأولى، والتحق فيما بعد بجامعة القاهرة ليدرس الهندسة فيها، لكنه اختار الانضمام إلى (منظمة الشباب اليهودي) تاركاً خلفه مقاعد الدراسة الجامعية، فلم يكمل تعليمه، بالرغم من ذلك كان ايلي كوهين يجيد التحدّث بطلاقة بثلاث لغات (العربية والعبرية والفرنسية)، كل هذا وهو في العشرين من عمره.

عمله السياسي في مصر

قام الجاسوس ايلي كوهين بدعوة أعضاء المنظمة اليهودية بالهجرة إلى إسرائيل، من ضمنهم عائلته، لكن بقي هو في مصر ليكمل عمله تحت قيادة (إبراهام دار) أو (جون دارلينج)، وهو الاسم الذي منحته إياه المخابرات الإسرائيلية كي يعمل به لصالحها في مصر، وقد كان (إبراهام دار) واحداً من أهم الجواسيس الإسرائيليين وأكثرهم دهائاً، واستطاع ايلي من خلال العمل معه، إقناع عدد كبير من اليهود بالهجرة إلى فلسطين (إسرائيل).

عملوا على تشكيل شبكة للمخابرات الإسرائيلية، بالإضافة إلى تجنيد عدد كبير من العملاء لصالح إسرائيل، كما قاموا بتنفيذ بعض التفجيرات في المنشآت الأمريكية في محافظتي القاهرة والإسكندرية، لزعزعة العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر.

وقد ألقت السلطات المصرية القبض على أعضاء هذه الشبكة في حدث كبير عُرف آنذاك بـ (فضيحة لافون)، لكن استطاع ايلي كوهين بذكاءه وحنكته إثبات براءته، وخرج من مصر في عام 1955م، ليعود إليها مرةً أخرى فيما بعد، لكن مع بداية العدوان الثلاثي على مصر لم ينسوا ماضيه، فاعتقلوه خلال هذه الفترة، وتم الإفراج عنه في عام 1957م.

هجرة إيلي كوهين إلى فلسطين (إسرائيل)

بعد الإفراج عنه هاجر ايلي كوهين إلى (إسرائيل)، وعمل لفترة بعيداً عن الموساد كـ محاسباً في بعض الشركات هناك، ثم فترة قصيرة وتم طرده، ليعود بعدها للعمل مع الموساد، إذ تم تعيينه مترجماً في وزارة الدفاع الإسرائيلية، واستقال بعد فترة وجيزة.

تزوج إيلي كوهين من امرأة يهودية اسمها (نادية)، وهي من أصول عراقية، عاش معها الاستقرار العائلي.

وجدت قوات الموساد أن إيلي كوهين هو الشخص المناسب للعمل كـ جاسوس لديها داخل الأراضي السورية، وتم تدريبه جيداً ليعمل بكفاءة عالية على استخدام أجهزة الاستقبال والإرسال اللاسلكي، والكتابة بالحبر السري، وأتقن بسرعة التحدّث باللهجة السورية، وحفظ آيات القرآن الكريم، وتعلّم تعاليم الدين الإسلامي، كما درس أخبار سورية الاقتصادية والسياسية، ثم قاموا بمنحه هوية جديدة تحمل اسم (كامل أمين ثابت) سوري الجنسية، ومسلم الديانة.

وكانت القصة المُلفّقة لهذه الشخصية الوهمية هي أن كامل هو شخص سوري هاجرت عائلته إلى الإسكندرية، ومن ثم إلى الأرجنتين عام 1946م، وخلال إقامتهم هناك توفّي والده عام 1952، وتوفّيت والدته بعد 6 أشهر من وفاة والده، ليعيش كامل وحيداً في الأرجنتين، ويعمل في تجارة الأقمشة هناك.

حياة إيلي كوهين في الأرجنتين

تم تسهيل دخول إيلي كوهين إلى الأراضي الأرجنتينية بهويته الجديدة، وكان في استقباله (ابراهام) أحد العملاء الإسرائيليين هناك، الذي نصحه بتعلّم اللغة الإسبانية، كي لا يُكشف أمره، وخلال عام من إقامته في الأرجنتين استطاع بناء قاعدة شعبية بين أبناء الجالية العربية، بصفته رجل أعمال سوري وطني، يعتري قلبه الحماس للعودة إلى وطنه الحبيب سوريا، ولم يتثنّى عن إقامة العزائم والولائم في المناسبات، التي كان أهم الضيوف فيها هم الدبلوماسيون السوريون.

رحلة التجسس في سوريا

في عام 1962م سافر كامل أمين ثابت (إيلي كوهين) إلى سوريا لبدء مهمته هناك، وقد تم استقبال هذا الرجل الوطني صاحب الروح القومية بترحيبٍ كبير من القادة والمسؤولين في سوريا، ولم يكن في الحسبان أن هذا الشخص جاسوساً خطيراً حاملاً في جعبته آلات تجسس دقيقة ومتطورة ستكون سلاحاً فتّاكاً يُدمّر سوريا، ويفضح تكتيكاتهم في التصدي للعدو الصهيوني.

عمل ايلي خلال الأشهر الأولى من إقامته في سوريا على توطيد العلاقات مع كبار القادة والعسكريين، وأصبح يزورهم في أماكن عملهم، ويأخذ منهم المعلومات العسكرية التي كانوا يُطلعونه عليها بحريّة ورحابة صدر، ويُجيبون عن أسئلته حول الغواصات التي قامت سوريا بشرائها من الإتحاد السوفييتي، والفرق بين أنواع الدبابات، ويقدمون له معلومات سرية عن السلاح الجوي السوري، وهو بدوره يقوم بإرسال هذه المعلومات إلى الموساد.

حصل الجاسوس ايلي كوهين على الثقة المُطلقة من ضباط الجيش وقادة حزب البعث، وصلت إلى حد اصطحابه في جولة داخل التحصينات الدفاعية السورية على أهم جبهة سورية (جبهة الجولان) عام 1962م، وقام خلال هذه الجولة بتصوير جميع التحصينات، باستخدام كاميرا حديثة مُثبّتة في ساعة يده، وتسريب هذه المعلومات المهمة إلى الموساد، بالإضافة إلى تزويدهم بخطط الدفاع السورية في مدينة القنيطرة.

إلقاء القبض على الجاسوس ايلي كوهين

تعددت الروايات حول قصة إلقاء القبض على إيلي كوهين، منها:

  • تقول إحدى الروايات أن المخابرات المصرية قد تعاونت مع المخابرات السورية في اكتشاف هوية إيلي كوهين الحقيقية، وهذا بعد أن انتشرت صور إيلي كوهين مع بعض القادة السوريين أثناء زيارته لهضبة الجولان، وتم التعرّف عليه وتنبيه المخابرات السورية، لا سيما أنه قد تم اعتقاله في وقتٍ سابق في مصر.
  • وفي روايةٍ أخرى يُقال أن كوهين كان يعيش في شقة قرب السفارة الهندية، التي بدورها أبلغت السلطات السورية عن رصدها لإشارات لاسلكية تشوش على إشاراتها، وبعد التحقيق والمراقبة استطاعوا القبض على إيلي كوهين مُتلبّساً بالجرم المشهود.
  • ويُقال أنه أثناء مرور سيارة تابعة للأمن السوري (تعمل على رصد الاتصالات الخارجية) من أمام المبنى الذي يسكن فيه الجاسوس ايلي كوهين، رصدت رسالة (مورس) أُرسلت من المبنى، قاموا بمحاصرة المكان على الفور والتحقيق مع السكان، وبعد المراقبة توصّلوا إلى أن كامل أمين ثابت هو الجاسوس إيلي كوهين.

إعدام إيلي كوهين

كانت لحظة اكتشاف خيانة إيلي كوهين ضربة موجعة للنظام السوري، إذ واجه مسؤوله شعوراً متداخلاً بين الغضب والغباء، وصدر الحكم الصارم بحقه بالإعدام شنقاً، لتنفيذه في ساحة المرجة بدمشق عام 1965م، لقد كان المشهد مروعاً للموساد، الذي لطالما سعى إلى استرجاع رُفات الجاسوس ايلي كوهين إلى إسرائيل، كنوع من التكريم لبطولته، لكن كل تلك المحاولات قوبلت بالرفض من قِبَل الحكومة السورية.

تمت الكتابة بواسطة: سمر درويش.

author-img
موقع محترفين العرب

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent